من هو الله الذي تحدث عنه جميع الرسل عبر التاريخ؟ فكما جاء في التعاليم البهائية فان الله العلي القدير هو فوق إدراك المخلوقات كافة وانه منذ الأزل لم يستطع الإنسان أن يرسم له في ذهنه صورة واضحة، سبحانه عما يصفه الناس سوی الإقرار بعظمته وجلاله. وحينما نقول بان الله قوي وقدير وانه عزيز وعادل فان هذه الكلمات راجعة إلی تصور الناس المحدود للقوة والقدرة والعزة والعدالة. في الواقع إن علم الإنسان عن أي شيء محدود بالصفة والكيفية الظاهرة منه. يقول حضرة عبدالبهاء بهذا الخصوص:
وعلی ذلك فان معرفة الله بالنسبة للإنسان يعني معرفة الصفات والكمالات الإلهية وليس معرفة ذاته وكينونته. ولكن كيف نستطيع معرفة صفات الله وكمالاته؟ ذكر حضرة بهاءالله بان جميع ذرات الكائنات هي من صنع الله تبارك وتعالی وتعكس بعضا من صفاته. مثلا يمكن مشاهدة النظام البديع للخالق حتی في تكوين الصخرة أو البلورة. فكلما كان الصنع صافيا ونقيا كلما اصبح اكثر قدرة علی عكس الصفات الإلهية. ونظرا لان مظاهر أمر الله والرسل يعتبرون اكمل المخلوقات وأعلاهم رتبة ومقاما فانهم يستطيعون إعطاءنا العرفان الإلهي الكامل والصحيح. يقول حضرة بهاءالله:
بالرغم من ان الصخرة أو الشجرة تحكي عن الخالق جل وعلا ولكن الإنسان وهو الوجود الوحيد المدرك، قادر علی أن يعكس الصفات الإلهية في حياته وفي وأفعاله. وحيث أن الأنبياء والرسل هم في مرتبة الكمال، فان من حياتهم نستطيع أن ندرك معنی أعمق للصفات الإلهية المتجلية فيهم. فالله سبحانه وتعالی لا يوصف ولا يحدد ولا يجسد بهيكل جسماني ولهذا لا يمكن رؤيته أو تشخيصه. ان الطريق لمعرفة الله والتقرب إليه هو عن طريق معرفتنا للمظاهر الإلهية والرسل ومطالع الحقيقة. يقول حضرة بهاءالله حول هذا الموضوع:
في فقرة أخری مشابهة قال حضرته:
ومن الطبيعي ان الذين رافقوا الرسول في حياته كانت لهم فرصة لقائه مباشرة. ولذلك وضح لنا حضرة بهاءالله بان الارتباط الرئيسي بين الإنسان وخالقه يكون من خلال الآثار والكلمات النازلة من الأنبياء والمرسلين والمظاهر الإلهية. يعتبر البهائيون الكلمات المنزلة من هذه النفوس المقدسة هي كلمات الله وعليه يجب أن نتوجه إلی هذه الكلمات يوميا من اجل التقرب إلی الله العلي القدير والحصول علی معرفة عميقة عنه سبحانه وتعالی. إن الكلمات المنزلة الإلهية هي الوسيلة لخلق الإحساس بتواجد الحق تبارك وتعالی في حياتنا يوميا.
يقول حضرة بهاءالله:
ولهذا السبب فان حكم تلاوة آيات الله يوميا والصلاة والتفكر ودراسة الآثار المقدسة يعتبر جزءا هاما من حياة البهائيين الروحية. فهم يشعرون بأنه من أهم الطرق نحو التقرب إلی خالقهم.
دعونا نجمل القول بأن وجهة النظر البهائية حول الله بأنه ذلك الغيب المنيع الذي لا يدرك. أما صفاته وكمالاته فقد تجلّت كاملة في رسله ومطالع شمسه.
ونظرا لأن معرفتنا بأي شيء محصورة بمعرفتنا بصفاته فان علم مشارق الوحي والمرسلين يعتبر (للبشر العاديين) معادلا للعلم الإلهي.
بتغبير عملي آخر، فان هذه المعرفة تحصل بالدراسة والدعاء والصلاة والتأمل وتطبيق المبادئ والأحكام التي جاءت في الكلمة الإلهية أي الآثار الصادرة عن الأنبياء والرسل ومشارق الوحي.
من كتاب: الدين البهائي - بحث ودراسة - صفحة ١٨٩-۱۹۲