يخدم الجسد، طبقا للتعاليم البهائية، غرضا وقتيا في ترقية الروح، حتی اذا تم هذا الغرض يطرح الجسد جانبا، كما يخدم قشر البيض غرضا موقتا لنمو الفرخ، فاذا تم ذلك الغرض ينكسر القشر ويطرح جانبا. ويقول حضرة عبدالبهاء بأن الجسد المادي ليست له القدرة علی دوام البقاء لانه مركب من عناصر مختلفة وذرات مجتمعة ولا بد له من ان ينحل الی عناصره الاولية اذا حان وقته.
ويجب ان يكون الجسد خادما للروح لا ان يكون سيدها، ويكون خادما مطيعا قويا راغبا في عمله، ويجب ان يعامل بالاحترام اللائق الذي يستحقه الخادم المطيع، فاذا لم يعامل المعاملة اللائقة، فان الامراض والمصائب تحدث له، وتكون النتيجة وخيمة له و لسيده.
ان احد المبادئ الاساسية التي اعلنها حضرة بهاءالله هو مبدأ وحدة عشرات الالوف من اشكال ومراحل الحياة علی الارض، فصحة اجسادنا مرتبطة بصحتنا العقلية والخلقية والروحانية، وكذلك مرتبطة بصحة ابناء جنسنا الاجتماعية والبدنية فرادی وجماعات وحتی انها مرتبطة بحياة الحيوانات والنباتات بحيث ان كل واحد من الموجودات يتأثر بالاخر الی حد اعظم مما يبدو لنا في الظاهر.
وعلی ذلك ليس هناك امر من اوامر الرسل يتعلق بأي نوع من انواع الحياة الا وله صلة بحياتنا الجسدية. ومن تعاليمهم ما ينصب مباشرة علی الصحة الجسدية اكثر من غيرها. وهذه التعاليم هي التي نتقدم الان للاطلاع عليها ودراستها.
يقول حضرة عبدالبهاء:-
وليس اكل اللحوم محرما ولكن حضرة عبدالبهاء يقول:-
يمنع حضرة بهاءالله منعا باتا استعمال المخدرات ...
ان التعاليم البهائية مبنية علی الاعتدال لا علی التقشف. فالتمتع بالاشياء الجميلة الطيبة في الحياة سواء كانت مادية ام روحانية امر تشجعه التعاليم البهائية بل تدعو اليه، فيقول حضرة بهاءالله بالنص:-
ويقول كذلك ما ترجمته:-
ويقول حضرة عبدالبهاء:-
ولما سئل حضرة عبدالبهاء عما اذا كان تحريم الميسر واليانصيب يتناول جميع الالعاب بمختلف اشكالها اجاب:-
يقول حضرة بهاءالله في الكتاب الاقدس بالنص:-
واشار ابو الفضائل في كتابه "الحجج البهية" الی اهمية هذه الاوامر، وخاصة في بعض انحاء الشرق، حيث تستعمل المياه الملوثة للاغراض المنزلية والاستحمام والشرب مما تـنشأ عنه اوضاع غير صحية فظيعة وانواع الامراض السارية والشقاء المرير. وهذه الاوضاع التي يظنها البعض مؤيدة برضاء الله وموافقة للدين يمكن تبديلها بين الشرقيين عن طريق واحد وهو طريق الاوامر التي ينزلها من هو مؤيد بسلطة الهية. وفي كثير من انحاء نصف الكرة الغربي هناك تحول مدهش سيحدث لو اعتبرت النظافة ليست بعد التدين والتقوی في منزلتها فحسب بل جزءا اساسيا من التقوی والتدين.
ان لاوامر النظافة والبساطة في الحياة واتباع القوانين الصحية والامتـناع عن تـناول الكحول والافيون وغيرها من المخدرات اهمية لا تحتاج الی بيان او تعليق رغما عن عدم تثمين الكثيرين لاهميتها الحيوية وعدم تقديرهم لها حق قدرها. ولو روعيت هذه الاوامر مراعاة شاملة لاختفت معظم الامراض السارية وكثير غيرها من الامراض الاخری. وان عدد الامراض التي تـنشأ عن اهمال الاحتياطات الصحية البسيطة والانهماك في تعاطي الكحول والافيون عدد هائل لا يدخل تحت حصر. ولا تقتصر اطاعة هذه الاوامر علی التأثير علی الصحة فقط بل ان لها تأثيرا عظيما ايضا في تهذيب الاخلاق والاداب. فالمشروبات الروحية والافيون تؤثر علی ضمير الانسان ووجدانه مدة طويلة قبل ان تؤثر علی هيئته ومشيته او تسبب له امراضا واضحة جسمانية. حتی ان الفائدة الخلقية والروحانية التي يجنيها الانسان من الامتـناع عن تعاطيها اعظم من الفائدة الجسمانية. ويقول حضرة عبدالبهاء بخصوص النظافة:-
ولو اطاع الناس اوامر الرسل الخاصة بالعفة في العلاقات الجنسية لزال سبب من اقوی اسباب الامراض ولاصبحت الامراض الزهرية البغيضة التي تهدم صحة الالاف من الناس الابرياء والمذنبين والاباء واطفالهم شيئا لم يكن مذكورا.
وكذلك لو اطاعوا اوامر الرسل الخاصة بالعدل والمواساة المتبادلة ومحبة الانسان لجاره كمحبته لنفسه، لزال اثر الاعمال الشاقة المنهكة والفقر المدقع ولانعدم اثر البطالة والانغماس في الترف الدنيء في هدمها العقلي والخلقي والجسماني.
ومجرد الطاعة لاوامر موسی وبوذا والمسيح ومحمد وحضرة بهاءالله الخاصة بالصحة والاخلاق كفيل في مقاومة الامراض وتحقيق ما لا يستطيع تحقيقه جميع الاطباء وجميع القوانين الصحية العامة في انحاء المعمورة. ولو كانت الطاعة لهذه الاوامر عامة، لتحسنت الصحة العامة في الحقيقة تحسنا شاملا، ولشاهدنا المعمرين من الناس يعيشون كما تعيش الفاكهة السليمة التي تنضج وتطيب قبل ان تسقط من الغصن الذي يحملها، بدلا مما نشاهده اليوم من حصاد الموت للارواح في طفولتها وفي شبابها.
نحن نعيش في دنيا تعد فيها اطاعة اوامر الرسل السالفين من قبيل الاستثناء لا القاعدة، وتعتبر فيها محبة الذات اكثر نفوذا من محبة الله، وتحتل فيها المصالح الحزبية الضيقة مقام الاسبقية علی مقام المصالح الانسانية العامة، وتفضل فيها الممتلكات المادية والمباهج الشهوانية علی السعادة الروحانية للعالم الانساني. ومن هنا نشأت المنافسات والتطاحن الشرس والظلم والاستبداد واقصی نهايات الغنی المفرط والفقر المدقع وكل الاوضاع التي تساعد علی انتشار الامراض العقلية والجسمانية. ونشأ عن ذلك ان جميع شجرة الانسانية بكاملها اصبحت مريضة، وشاركت في هذا المرض العام كل ورقة من اوراق هذه الشجرة، حتی بات المقدسون والطاهرون يقاسون الالام نتيجة خطايا الاخرين. فاشتدت الحاجة الی العلاج - علاج الانسانية جمعاء أمما وافرادا. وهكذا نجد حضرة بهاءالله كأسلافه الملهمين لا يرينا سبيل المحافظة علی الصحة فحسب بل يرينا كيف نسترد الصحة اذا فقدناها. فقد أتی كما يأتي الطبيب العظيم الذي يشفي أمراض العالم الجسمانية والعقلية جميعها.
ظهر في عالم الغرب اليوم بعث مشهود للايمان بكفاءة العلاج بالوسائل العقلية والروحانية. وفي الحقيقة ذهب الكثيرون في ثورتهم علی الافكار المادية التي سادت في القرن التاسع عشر حول الامراض ومعالجتها الی التطرف في انكار فائدة العلاجات المادية او فائدة الطرق الصحية مهما كان نوعها. لكن حضرة بهاءالله يری فائدة كلا النوعين من العلاجات المادية والروحانية، وهو يعلمنا ان فن الطب يحتاج الی التطوير والتشجيع والتكميل حتی يتم الانتفاع من جميع وسائل المعالجة انتفاعا تاما، كل في دائرتها اللائقة بها. وعندما كان يمرض احد افراد عائلة حضرة بهاءالله كان حضرة بهاءالله يستدعي طبيبا اختصاصيا، وقد اوصی اتباعه باتباع هذه الطريقة ففي "الكتاب الاقدس" يقول بالنص:-
وهذا مطابق لموقف البهائية من العلوم والفنون علی وجه العموم مطابقة تامة. فجميع العلوم والفنون النافعة لبني الانسان ينبغي تقديرها وترويجها. ويستطيع الانسان ان يصبح سيدا علی جميع الاشياء المادية عن طريق العلم ولكنه يبقی عبدا اسيرا لهذه الاشياء المادية ما دام جاهلا.
وكتب حضرة بهاءالله في لوح الی احد الاطباء بالنص:-
وكتب حضرة عبدالبهاء في أحد ألواحه ما ترجمته:-
وهو يعلمنا بأن اذواقنا وغرائزنا، لو لم تكن قد لوثتها اساليب العيش الرعناء غير الطبيعية، لاصبحت خير مرشد لنا في انتخابنا الطعام المناسب والفواكه والاعشاب الطبية وغيرها من العلاجات، كما هي الحال في عالم الحيوان. ففي حديث ممتع له عن الشفاء مسجل في كتاب المفاوضات الصفحة ۲۳٤ قال في ختامه:-
ويعلمنا حضرة بهاءالله ان هناك ايضا طرق عديدة للشفاء بغير الوسائل المادية، فهناك "عدوی الصحة" كما ان هناك "عدوی المرض"، ولو ان الاولی بطيئة وذات مفعول ضئيل والثانية سريعة وذات مفعول شديد.
وقد تؤثر احوال المريض العقلية، "وايحاءاته" الذاتية تأثيرا فعالا في تعيين هذه الحالات. فالخوف والغضب والقلق وغيرها لها ضررها البالغ علی الصحة، بينما الامل والحب والبهجة لها اثرها الطيب. ولذلك يقول حضرة بهاءالله في لوحه الی احد الاطباء بالنص:-
ويقول حضرة عبدالبهاء:-
وكتب حضرة عبدالبهاء عن طريق آخر من طرق الشفاء العقلي:-
لكن طرق الشفاء هذه محدودة في اثرها، وربما لا تـنجح في شفاء الامراض المستعصية.
ان اكبر قوة شافية هي قوة الروح القدس، فقد كتب حضرة عبدالبهاء:-
وفي محادثة مع احد الزائرين في عكا في اكتوبر (تشرين الاول) ١٩٠٤ يقول حضرة عبدالبهاء:-
ومن هذا القبيل كانت اعمال الشفاء التي قام بها السيد المسيح وتلاميذه، واعمال الشفاء المشابهة الاخری التي نسبت الی الرجال المقدسين في جميع العصور. وكان حضرة بهاءالله وحضرة عبدالبهاء قد اختصا بهذه الموهبة، وقد وعدا اتباعهما المخلصين بحصولهم علی مثل هذه القوة.
ولكي تفعل قوة الشفاء الروحاني فعلها التام هناك بعض الشروط الضروري توفرها في المريض وفي الشافي وفي أصدقاء المريض وفي الهيئة الاجتماعية بمقياس اكبر. فأول مستلزمات المريض هي ان يتوجه بكل قلبه الی الله، وتكون لديه ثقة تامة وايمان كامل بقدرته تعالی وارادته لما يشاء وقد تحدث حضرة عبدالبهاء الی سيدة امريكية في اغسطس (آب) ۱۹۱۲ بما ترجمته:-
ومع ان حضرة عبدالبهاء في هذه الحالة الخاصة قد ضمن نوال الصحة الجسمانية الكاملة، لكنه لا يفعل ذاك في جميع الحالات، حتی ولو كان هناك ايمان قوي من جانب الفرد المريض. فقد تحدث الی احد الزائرين له في عكا بما ترجمته:-
وكتب مرة اخری الی شخص مريض ما ترجمته:-
ويعلمنا حضرة عبدالبهاء ان الصحة الروحانية "تساعد علی الوصول" الی الصحة الجسمانية، ولكن الصحة الجسمانية تتوقف عادة علی عدة عوامل بعضها خارج عن ارادة الفرد. وحتی حينما تكون احوال المريض اعلی نموذج للروحانية فان ذلك "لا يضمن" نوال الصحة الجسمانية في كل حالة، فاقدس الرجال والنساء قد يعانون الامراض احيانا.
ومع ذلك فان التأثير الحميد الذي ينتح من الاستقامة الروحانية علی الصحة الجسمانية اقوی بكثير مما يتصوره الكثيرون في العادة، وهو وحده كاف لازالة السقم في نسبة عظيمة من الحالات. فقد كتب حضرة عبدالبهاء الی سيدة انكليزية ما ترجمته:-
وتحدث كذلك بما ترجمته:-
ان قوة الشفاء الروحاني ولا شك موجودة في جميع البشر قلّت ام كثرت، الا ان هناك بعض اشخاص ذوو موهبة استثنائية في الشفاء، كما ان هناك اشخاص ذوو موهبة خاصة في علم الحساب او الموسيقی. وهؤلاء ينبغي لهم ان يجعلوا الشفاء فنّاً لهم في حياتهم. ولكن يا للاسف اصبح العالم في القرون الاخيرة ماديا الی درجة كاد العلاج الروحاني يكون معدوما.
ان موهبة الشفاء كبقية المواهب يجب تشخيص وجودها والتدرب عليها وعلمها حتی تصل الی اسمی تطورها وقوتها. وربما يوجد الان في العالم الالاف ممن وهبوا بطبيعتهم قابلية الشفاء ولديهم هذه الموهبة الثمينة ولكنها في حالة كمون وخمول. وعندما تعرف قدرات الشفاء الروحاني والعقلي معرفة تامة، فهنالك سيتطور فن الشفاء ويسمو قدره وتزداد كفاءته زيادة لا تحصی. واذا اقترنت هذه القوة والمعرفة الجديدة لدی الشخص الشافي مع ايمان المريض وامله بالشفاء، فحينذاك نتوقع النتائج الباهرة.
ويقول حضرة بهاءالله في لوح الی طبيب بالنص:-
وكتب حضرة عبدالبهاء ما ترجمته:-
وكتب حضرة عبدالبهاء في أحد ألواحه بالنص:-
ان شفاء المريض لا يتوقف علی المريض وحده ولا علی الطبيب وحده ولكن علی الجميع. ويجب علی الكل ان يساعدوا بعطفهم وبخدمتهم وباستقامة حياتهم وباستقامة تفكيرهم وبأدعيتهم ومناجاتهم، خاصة لان قوة المناجاة اقوی من جميع الادوية والعلاجات. ويقول حضرة عبدالبهاء: "ان الابتهال والمناجاة من اجل الاخرين لا شك مؤثر". ان اصدقاء المريض عليهم مسؤولية خاصة لان تأثيرهم عليه، نافعا كان أم ضارا، مباشر وقوي. وكم من مرة كان الشفاء معلقا "بصورة اساسية" علی خدمة الوالدين والاصدقاء والجيران لمريضهم البائس!
ولو توسعنا لوجدنا ان لافراد الهيئة الاجتماعية تأثيرا في كل اصابة بالمرض. وقد لا يظهر تأثير الافراد ظهورا كبيرا الا ان تأثير المجموع يظهر واضحا وشديدا. وكل شخص يتأثر "بالجو الاجتماعي" الذي يعيش فيه بمقدار انتشار الايمان والفضائل والمباهج او انتشار المادية والرذائل والهموم. ولكل فرد نصيبه في تعيين حالة ذلك "الجو الاجتماعي". وقد لا يستطيع كل انسان في احوال العالم الحاضرة ان ينال الصحة التامة، الا انه من الممكن لكل فرد ان يكون "قناة طبيعية" تسير فيها قوة الروح القدس الشافية، فيكون لذلك تأثير ناجع علی جسمه وعلی اجسام غيره ممن يكون له بهم اتصال.
وقد نزل من قلم حضرة بهاءالله وحضرة عبدالبهاء العديد من مناجاة الشفاء.
يطمئننا حضرة بهاءالله انه بالتعاون بين المريض والشافي والهيئة الاجتماعية عامة وكذلك باستعمال الوسائط الصحية المختلفة المادية والروحانية والعقلية يتحقق مجيء العصر الذهبي حين "ستتبدل بقوة الله جميع الاحزان الی افراح وجميع الامراض الی صحة". ويقول حضرة عبدالبهاء: "ان الرسالة الالهية حينما تفهم حق فهمها، تزول جميع المتاعب" وكتب كذلك ما ترجمته:-
ختاما لهذا الفصل يحسن بنا ان نـتذكر نصائح حضرة عبدالبهاء الخاصة بالانتفاع من الصحة الجسمانية انتفاعا سليما. فقد كتب في احد الواحه الی البهائيين في واشنطن ما ترجمته:
أخذت هذه المقتطفات من: بهاء الله والعصر الجديد - مقدمة لدراسة الدين البهائي - صفحة ١٣٦-١٥٣